المادة    
  1. أثر الإخلاص في أصول الدين

     المرفق    
    السؤال: يقول: ذكرتم يا فضيلة الشيخ أن الإخلاص من شروط لا إله إلا الله, فهل إذا انعدم هذا الشرط أو اختل يخرج الإنسان من الملة؟
    الجواب: نعم أحسنت, هذا ذكرني بمسألة اشتراط الإخلاص في الشهادة وما جاء في ذلك, ولا سيما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري والإمام أحمد وغيرهما, لما سأله أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: {يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من شهد ألا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه}, وقال في رواية أخرى: {يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه}.
    ولذلك قلنا الصدق والإخلاص مقترنان, فالذي يشهد ألا إله إلا الله وهو صادق مخلص فإنه يكون أسعد الناس بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثمَّ فهو جدير حري ألا يدخل النار كما جاء في رواية أخرى: {فإن الله قد حرم النار على من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله} أي: خالصاً ذلك لله, وقد جاءت كلمة الإخلاص في إحدى رواية المسند.
    إذاً الإخلاص مراتب, كاليقين والمحبة وغيرها, فأصل الدين لابد فيه من الإخلاص, وأصل الإقرار والشهادة بألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لابد فيها من ذلك، وإلا كان قائلها مشركاً أو منافقاً كما بينا فيما مضى, وهذا معلوم أنه خارج من الملة طبعاً, فإن قالها وشهدها بحق ولكنه فرط في عمل من أعمالها وتوابعها ولوازمها؛ أي من الطاعات التي جعلها الله تبارك وتعالى فروعاً وتحقيقاً للشهادة فلم يخلص فيه لله عز وجل فإنه يكون من أهل الكبائر وهو داخل في الوعيد, وأهل الكبائر معلوم حكمهم, إذ هم أصحاب الوعيد الذي إن شاء الله تعالى غفر لصاحبه, وإن شاء عذبه, وأسباب المغفرة وأسباب النجاة من النار كثيرة, وهي موانع من أن يكون المرء من أصحاب الوعيد, وقد تقدم شرحها فيما سبق, ومن أعظمها شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصالحين من عباد الله تبارك وتعالى.
    فإذاً إذا فقد الإخلاص في أصل الدين وأصل الشهادة فصاحبه مشرك خارج من الملة, وأما إذا فقده في شعبه من شعب الإيمان أو عمل من أعماله, فهذا العمل حابط وقد خسر هذا العمل لكنه لا يخسر دينه كله, فرب رجل لا يخلص لله تبارك وتعالى في نفقة, مثلاً: أعطى ألف ريال رياءً, لكنه في صلاته مخلص, فهو ينال أجر الصلاة أيضاً مع أجر التوحيد وهو صادق فيه, ولكنه لا يأخذ أجر هذا المال الذي تصدق به, ولكنه على أية حال هو على خطأ عظيم؛ لأنه أبطل صدقته بالمنِّ والأذى, وهذا من أهل الوعيد.
  2. أثر الرياء على صحة العمل مع توفر المجاهدة

     المرفق    
    السؤال: هل إذا طرأ على العمل رياء يبطل العمل, ولو كان هنالك مجاهدة؟
    الجواب: إذا طرأ الرياء على العمل فلا يخلو إما أن يجاهد صاحبه ذلك الرياء كما ذكر الأخ فهذا لا يبطل عمله بإذن الله, بل هذا يؤجر على تلك المجاهدة وربما يكون ذلك خيراً له, أي ربما يكون هذا النزغ من الشيطان سبباً في مجاهدة يؤجر عليها العبد أجراً أكبر وأكثر مما لو أنه عمل العمل ولم يأته الشيطان ولم يحدثه في ذلك.
    وإما أن يستسلم للشيطان وأن يوافقه فيرائي بذلك العمل, فهذا لا يخلو إن كان العمل واحداً متصلاً كالصلاة الواحدة مثلاً, فمتى دخلها الرياء ولو في آخرها فإنها تبطل والعياذ بالله, فتحبط جميعاً, هذا الظاهر؛ لأن الأعمال بالخواتيم, وهذه عبادة واحدة لا تزال متصلة فإذا طرأ الرياء في آخرها وسلّم وهو على ذلك فهذه خاتمة سوء تجعل العمل كله حابطاً.
    لكن لا يعني ذلك أن تحبط كل صلاة قد صلاها من قبل خالصة لوجهه الكريم, وهي صلاة بعيدة منفصلة عنها؛ لأن الإيمان يزيد وينقص, كما هو مذهب أهل السنة والجماعة, فربما كان في الفجر مثلاً يصلي بإخلاص لا رياء فيه فيؤجر, ثم في الظهر شابته شائبة الرياء فلم يؤجر, ثم في العصر يرجع إليه إخلاصه فيؤجر, وهذا هو الحق الموافق للفطرة ولحال الناس وواقع الناس جميعاً, لا كما يزعم الخوارج أو غيرهم أنه يبطل ويحبط عمله كله وصلواته كلها.
    وكذلك النفقة فربما أنفق اليوم -أو الآن- ألف ريال بلا رياء, ثم بعد دقائق أو بعد أيام أو ساعات أنفق أخرى وراءى فيها والعياذ بالله فهذه تبطل وتحبط, وتلك التي أخلص فيها لا تحبط, وهذا هو القول الصحيح في هذا الأمر والله تعالى أعلم.

  3. الامتناع عن أداء الطاعات خشية الوقوع في الرياء

     المرفق    
    السؤال: بعض الناس إذ أراد أن يعمل عملاً أتاه الشيطان فشككه في عمله, وأنه رياء فلا يعمل هذا العمل, فما رأيكم يا فضيلة الشيخ! في هذا الشك؟
    والحقيقة وردت كثير من الأسئلة تتناول هذه المشكلة فمن الصالحين من يقول: أشك في إمامتي, والآخر يقول: أشك في قراءتي للقرآن, وآخر يقول: أشك في قيامي لليل, والرابع يقول: أشك في شهادتي الجامعية, والخامس يقول: أشك في مجال دعوتي إلى الله عز وجل..!!
    الجواب: نعم, لعل هذا يدخل فيما أثر عن بعض السلف قيل أنه سفيان أو الفضيل أو عن كليهما: [[العمل من أجل الناس رياء, وترك العمل لأجل الناس كفر]] والعياذ بالله, يعني هذا من الزجر؛ لأن الإنسان لابد أن يدرك أنه عبد, وأن الله تبارك وتعالى افترض عليه أمراً أو عملاً حتى ولو كان مشروعاً ومستحباً, أي ليس مفروضاً عليه لكنه مما شرعه الله له, فما شرعه الله له فليؤده لله تبارك وتعالى, خالصاً من شوائب الشرك والرياء والنفاق.
    فإن عمل هذا العمل من أجل الناس فقد راءى, أما لو ترك الطاعة من أجل الناس حتى لا يقول الناس: إن فلاناً فعل. سواء كان ذلك على سبيل النقد, مثلاً واحد لا يصلي حتى لا يضحك عليه الناس أو يستهزئوا به أو يأتيه الشيطان من هذا المدخل فيقول: لو صليت لكنت مرائياً فيترك الطاعة فهذا يصبح أيضاً قد دخل في باب آخر من أبواب المعصية وهو أنه ترك العمل لأجل الناس, فكلاهما ذنب, أن يعمل لهم أو يترك العمل لأجلهم.
    والمطلوب من كل واحد منا أن يجتنب الأمرين, فلا يعمل لأجل الناس, ولا يترك العمل أيضاً لأجلهم, فكل ما فوق التراب تراب.
    فعليك أخي الكريم أن ترى ما شرعه الله وافترضه عليك وتتحقق المصلحة الشرعية فيه وتقدم على فعله؛ لأن ما كان في عمله مفسدة راجحة أو ارتكاب منكر أو محظور فهذا أمر لا يدخل في هذا الحكم, لكن المقصود ما شرعه الله تبارك وتعالى وما تقتضي المصلحة فعله ولا مفسدة في فعله فإنك تفعله ولا تبالي بالناس, ولا بما قالوا!
    بل أنا أقول للإخوة الكرام: إن من أعظم مداخل الشيطان وحيله وتلبيسه على من أراد أن يجتهد في طاعة الله أن يأتيه بمثل هذا, لأن من شمر عن ساعديه واجتهد على الطاعة لا يستطيع الشيطان عدو الله أن يأتي إليه فيثنيه؛ لأنه خبيث, ولا يأتي إلى من عزم على القيام بعمل ليثنيه عن العمل, إنما يثني عن العمل الذي ما زال متردداًَ في الإقدام عليه, فهذا يصرفه عن العمل بسهولة, أما الذي عزم وعقد النية واجتهد فإنه لو أراد أن يثنيه لما سمع له, ولكن يأتيه من باب آخر فيقول: لو عملته لكان لغير الله..!! فيأتيه من باب الورع الكاذب, ومتى كان عدو الله ناصحاً لك؟! ومتى كان الشيطان حاثاً على الورع؟! أو على الإخلاص؟!
    تذكر: أنه ما دام أن الله شرع لك هذا العمل وافترضه عليك وأن مصلحة الدين فيه فلا يمكن لعدو الله وعدوك -الذي قال الله فيه: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا))[فاطر:6]- أن يدلك على خير أو أن يثنيك عن عمل لأنه شر ولأنه ضار بك أبداً, وإنما هذا نوع من حيل الشيطان ومن تلبيسه.
    وقد عجبت غاية العجب لما بلغني أن أحد الشباب آتاه الله تبارك وتعالى من القراءة ومن العبادة ومن الصلاة ما يغبطه عليه الآخرون, وما يتطلع أكثر الشباب إلى إدراكه ونيله, فكان إذا رآه المصلي الذي لم يؤت مثل هذا الخشوع يتعجب من خشوعه, وفي النهاية زيَّن له الشيطان أن يترك صلاة الجماعة؛ لأن بعض الناس يتأملون في صلاته, وهو لا يملك نفسه إذا قرأ القرآن من أن يبكي, فقال: أفضل شيء أن أصلي الفريضة في البيت, لاحظوا الشيطان والعياذ بالله, هذا لو فعل ذلك لوقع في إثم عظيم وهو ترك صلاة الجماعة, بينما في ظنه أنه يبتعد عن الرياء, لكن لو أنه صلى الفريضة ورأى أن يجعل النافلة في البيت لا حرج في ذلك, بل هذا هو المشروع أو هذا هو الأفضل.
    فأقول أيها الإخوة الكرام: الشيطان عدو, إن لم يأتك من باب ترك الطاعة فإنه يلبس عليك أن تتركها بدعوى أن تكون مخلصاً, ولا يريد إلا أن تتركها فتستوي أنت والعاصي في ترك ما أمر الله تبارك وتعالى به مما افترضه عليك, فاحذروا منه!
    ولذلك يجب أن نحرص دائماً على أي ذكر يعين على أن يعتصم العبد بالله من الشيطان الرجيم, وأن يتحصن بأذكار الصباح والمساء وما أشبه ذلك, وعلينا أن نتعلم ونتفقه في الدين؛ لأن الشيطان أكثر ما يخدع العباد الجهال, فالفقه في الدين يعصم صاحبه بإذن الله من هذا, وإن لم يكن متفقاً, أو لم يؤهل لذلك, فليسأل أهل الذكر وأهل العلم هل أترك هذا أو لا أتركه؟! وعليه ألا ينساق وراء ما يلقي الشيطان في نفسه.
  4. علامات إخلاص العمل لله تعالى

     المرفق    
    السؤال: إن كان للإخلاص علامات فما هي؟ وكيف أعرف أني مخلص لله تعالى؟
    الجواب: سئل بعض السلف عن هذا فقال: أن يستوي سرك وعلانيتك, وأن تستوي خلوتك وجلوسك مع الناس, يعني أن تكون حالك مع الله تبارك وتعالى في خلوتك كحالك عند اجتماعك بالناس واختلاطك بهم, ويجب أن يكون سرك وعلانيتك أو ظاهرك وباطنك سواء.
    وسهل بن عبد الله الدستري رحمه الله, عندما تحدث عن هذا -وله كلمات عظيمة في هذا الشأن- قال: (أن تكون حركاته وسكناته لله تعالى, لا يخالطه شيء ولا يمازجه شيء) يعني تحقيق كامل لقول الله تبارك وتعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))[الأنعام:162]^.
    وكما جاء في الحديث: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان} أي: إعطاؤك ومنعك, كما قال العلماء في شرح هذا الحديث أن أول ما تبدأ به, أن تحب الطاعة ثم تعزم على فعلها ثم تفعلها, وآخر شيء هو الإعطاء أو المنع أي: عملياً, فما بينهما كل أنواع الطاعات تندرج تحت هذا الحديث, أي: أن تكون كل أعمالك ما بين هذا وهذا لله, إن أحببت أو أبغضت, وإن منعت أو أعطيت, ستكون الحركات والسكنات كلها لله تبارك وتعالى, يعني أن تجتهد أن تكون كذلك, فهذا تحقيق الإخلاص لمن أراد أن يحققه.
  5. الانشغال عن العبادات يقدح في كمالها كما يقدح في أصلها

     المرفق    
    السؤال: إذا حضرت الصلاة وشغلت عنها بمشاهدة مباراة في التلفاز, أفلا أكون أشركت بالله في هذا العمل؟
    الجواب: ليس شرطاً -حتى لا يفهم الإخوة خطأً- أن الشرك يقتصر على الشرك المخرج من الملة, لكن من قدم شيئاً مما يريده الشيطان, أو يريده الهوى, أو تستلذه النفس وتستطيبه على ما أمر الله تبارك وتعالى به, وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم, فلا شك أن هذا المقدم أحب إليه من ذاك, أليس كذلك؟ لأنه لما كان حب المباراة أكبر وأهم من الصلاة قدم هذه المحبة على تلك.
    فيا إخوتي الكرام! المحبة واليقين والإخلاص -كما بينا- وغيرها من أعمال القلب قد يعمل العبد ما يقدح في كمالها، وقد يعمل ما يقدح في أصلها, فهنا لا نقول: إن هذا العمل يقدح في أصل الإخلاص فيكون مشركاً خارجاً من الملة.
    لكن إذا نظرنا إلى أن الشرك منه الخفي ومنه الأصغر, فهذا نوع منه؛ لأنه أحب هذا الأمر وقدمه على ما أحبه الله تبارك وتعالى, ولأن من عبادة الشيطان أن يطاع في المعصية يقول الله عز وجل: ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ))[يس:60].
    بم تكون عبادة الشيطان؟! بطاعته, وعبادة الهوى: ((مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ))[الفرقان:43] كيف تكون..؟ من اتبع هواه وكان أمره فرطاً, هذا هو المقصود, فإذاً تأليه الهوى وتأليه الشيطان وما أشبه ذلك قد يكون على الحقيقة وعلى أصل الدين كأن يعبد غير الله, وقد يكون في أمر من الفروع فيكون ذلك بالتبعية, كمن يقدم شيئاً من المعصية على مرضاة الله تبارك وتعالى, فهذا لا شك أن عمله يخدش إيمانه, ويخدش يقينه وصدقه ومحبته للطاعة وإخلاصه فيها.
    والواجب على الإنسان أن يتوب وأن يتجرد من ذلك كله, فبقدر وجوب الطاعة يكون ذلك, مثلاً هذا الأخ تشاغل عن العبادة عند سماع الأذان، وهذا أخف من أن يفعل ذلك عند سماع الإقامة؛ لأن الإجابة تكون آكد عند سماع الإقامة.
    في حالات الجهاد إذا كان فرض عين كما حدث في غزوة تبوك, وهي كما ذكر الله تبارك وتعالى في آيات البراءة أحوال المنافقين فيها, وتخلفهم عنها واشتغالهم عنها أو خوفهم من الخروج, فلما كان الجهاد متعيناً استنفر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة قاطبة, وأمر كل مستطيع بالخروج, بخلاف لو كان الجهاد فرض كفاية وتخلف عنه وقدم محبته فلا يدخل في قوله تعالى: ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))[التوبة:24] فلا يكون هذا بمثل ذلك الذي يكون الجهاد في حقه فرض عين, فبمقدار وجوب الأمر والطاعة يكون الإثم على من قدم عليها شيئاً من معصية الله تبارك وتعالى, فيكون القدح في كمال يقينه وإخلاصه وصدقه وخشوعه أكثر.
  6. أثر الإخلاص على الجماعة

     المرفق    
    السؤال: ذكرتم يا شيخ! أثر الإخلاص على الفرد, فما هو أثره على الجماعة؟
    الجواب: بطبيعة الحال إذا كان للإخلاص أثر على الفرد, فلابد أن يكون كذلك على الجماعة, فإذا كان في الأمة مخلصون فإنهم ينتصرون, وأعظم ما تحققه عملياً هو أن تنتصر على أعدائها, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم } بدعائهم وإخلاصهم، فإذا كان فينا أمة -أي طائفة- عابدة زاهدة تقية مخلصة وتضرعت لله عز وجل ودعت بإخلاص فإننا ننتصر على العدو مهما كثر عَددُه ومهما قويت عُدده.
    فالإخلاص مهم للفرد وللمجتمع على حدٍ سواء, وقد ينجي الله تبارك وتعالى أمة أو قرية أو حضارة بوجود أناس مخلصين فيها، ولكن يجب أن يكونوا مصلحين عاملين: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))[هود:117] والمصلح لو لم يكن مخلصاً لما كان مصلحاً؛ لأن الذي نيته باطلة لا يكون إلا منافقاً والعياذ بالله, فهو مفسد وليس مصلحاً, وإن زعموا أنهم مصلحون إلا أنهم مفسدون ومنافقون، كما ذكر الله تبارك وتعالى: ((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ))[البقرة:12].
    فإذاً إخوتي الكرام: لابد أن يكون في الأمة مخلصون؛ لكي يحفظها الله تبارك وتعالى من السوء, وهؤلاء المخلصون لو قنتوا وتضرعوا إلى الله عز وجل لدفع الله البلاء, والنموذج الظاهر كمثال لذلك حديث الثلاثة, فكذلك لو ابتليت الأمة بأن أطبق عليها العدو وسد عليها منافذ الحياة وضيقها عليها كحال المسلمين اليوم في العالم كله, ويمكن أن نرى أن الصليبيين أطبقوا على إخواننا في البوسنة مثلاً, أو في كشمير, أو في أرتيريا, أو في الفلبين أو غيرها أكثر من دول أخرى, إلا أن الأمة الإسلامية في مجموعها أعداؤها مطبقون عليها, ثرواتها بأيديهم, ورأيها بأيدهم, والقرارات فيما يسمونه مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بأيديهم, فهم مطبقون عليها, فهي لو أنها صدقت وأخلصت لله تبارك وتعالى, وتجردت منها طائفة ولو لم تعمل إلا أن تتضرع بصدق لكشف الله تبارك وتعالى هذا البلاء, مع أن الدعاء لابد أن يشتمل على أمور أخرى على أية حال, لكن المقصود أن الفرد والأمة سواء في اشتراط الإخلاص, اللهم إلا أن الأمة الإسلامية بمجموعها لن تكون كذلك.
    فلابد أن يكون منها أمة أو طائفة تحقق هذا المعنى العظيم, وبها ينصر الله تعالى الأمة جمعاء.

  7. الأحداث الجارية في أفغانستان

     المرفق    
    السؤال: ما هو تعليقكم يا فضيلة الشيخ! على الأحداث الجارية في أفغانستان؟
    الجواب: أنا أرى -وقد تضاربت لدينا الأخبار والأنباء- ما أوصيتكم به في الأسبوع الماضي من الدعاء بأن يجمع الله كلمتهم على الحق, ولا أرى أن نكثر أو حتى أن نخوض في هذا الأمر فنختلف ونتجادل نحن هنا, فما دامت الفتنة بين المجاهدين أنفسهم فنقول: تلك دماء كف الله تعالى أيدينا عنها, فنكفَّ ألسنتنا, وهذا لا يمنع وجود طائفة من الأمة تتحرى وتنصت وتنصح هذا وهذا وتبين المخطئ من المصيب, أو المعتدي من المعتدى عليه, وإنما لا يكون حديثاً عاماً لعامة الناس وعامة الأمة.
    أما ما كان ضد الباطنية وضد الميليشيات أو ما أشبه ذلك فلا شك أنه حق وأن هؤلاء من أعداء الدين, وأن القضاء عليهم واجب, لكن قد يكون الاختلاف في التوقيت أو فيما يسمونه التكتيك أو شيء من هذا, أما الأصل فلا يجوز أن يختلفوا فيه, ففي الحقيقة أنا أرى أن ترك الخوض في هذا خير, وأن الاكتفاء بالدعاء لكل المسلمين أن يجمع الله كلمتهم على الحق المبين من الكتاب وسنة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم.

  8. الجهاد في البوسنة والهرسك وتمالؤ أمم الكفر على المسلمين

     المرفق    
    السؤال: الحقيقة كثرت الأسئلة حول أخبار الجهاد في البوسنة والهرسك, ويطلب الإخوة آخر الأخبار عن المجاهدين في البوسنة والهرسك؟
    الجواب: الوقت يضيق عنها وهي كثيرة ومهمة, لكن نحاول أن نوجزها:
    أولاًَ: وهذا قد قلناه ولكن الشواهد كثرت عليه جداً في اليومين الماضيين من إخوة جاءوا من هنالك, وقد بينوا أن الموقف الدولي والأوروبي ما بقي إلا أن يعلن بالإجماع أنها حرب صليبية سافرة, أقول: بالإجماع؛ لأن البعض قد أعلنها حرباً صليبية, وبعض الجرائد عندنا منها جريدة الرياض وقريب من ذلك حتى في جريدة عكاظ وغيرها أعلنت ذلك, حتى الصحف الأخرى في مصر وغيرها.
    لماذا الكروات وغيرهم ممن عاداهم الصرب يتم التدخل الدولي سريعاً للفصل بينهم, بينما يطول الأمر بخصوص المسلمين قبل أي تدخل, بل تغلق الحدود في أول الأمر لكي يبيدهم الصرب, ثم بعد عمليات الإبادة تفتح الحدود -حدود دول أوروبا- لكي يستقبلوهم؛ لأنهم رأوا أن تفريغ المنطقة من أهلها يحقق الهدف إذا لم يحققه الاستئصال والإبادة.
    فهذه حرب صليبية مكشوفة, حيث يؤخذ الأطفال وينقلون إلى دول أوروبا, بينما الآباء يقاتلون في الجبهة فيلحق هؤلاء الأطفال بملاجئ معينة ويأتي المنصرون من ألمانيا وإيطاليا إلى هذه الملاجئ بالذات ويسرقون الأطفال ويقولون: هؤلاء أيتام, فيما آباؤهم في الجبهة, والشواهد على هذا كثيرة جداً ونطق بها كثير من الغربيين, والإعلام الأمريكي في بعض قنواته -كما أخبرنا بعض الإخوة الذين جاءوا من أمريكا قريباً- صور هذه المآسي فأحدث ضجة هائلة, حتى إن المنافس الثاني الخبيث الذي يريد أن يحل محل بوش لما أعلن: إذا توليت أمريكا سوف أرسل قوة لردع الصرب ارتفعت أسهمه في الانتخابات وصار الفرق هائلاً بينه وبين بوش بسبب هذا التصريح, رغم أنه لن يقدم على ذلك, فكلا الرجلين يكذب ليروج لنفسه, لكن المقصود أنه رأى تأثير هذه المناظر في نفوس الأمريكان مما جعله يستغل هذا الأمر ويدخل من هذا الباب، ويعلن هذا الشيء ويهز المجتمع الأمريكي.
    بعض الإخوان يقولون: رأينا الأمريكان والألم باد على وجوههم عندما رأوا هذه المناظر, بينما الإعلام العربي والإسلامي -عبر التلفاز- ينقل المباريات! ومسابقة كذا ..! فالمسلمون في غفلة, والصليبيون يتحركون, فهي حرب صليبية سافرة, ولعلنا نتناول هذا الموضوع في محاضرة مستقلة لما فيه من عبر لعل الله أن ييسر ذلك حتى نورد لكم الحقائق أو بعضاً من الحقائق موثقة من الصحافة, كما أوصلها لنا بعض الإخوة, ونبين من خلالها علاقة الصرب باليهود وعلاقتهم بالنصارى, ونبين أن معاملة المسلمين تختلف كليةً عن معاملة غيرهم والله المستعان!
    ومن جانب آخر والحمد لله فإن المسلمين الذين أرادوا أن ينشئوا حركة أو جبهة جهادية خالصة من أبناء البوسنة والهرسك -طبعاً- هم والحمد لله وضعهم يتحسن, كذلك القبول للحق والخير عند المسلمين في تلك البلاد عموماً قبول جيد, بل قد يكون ممتازاً وعظيماً, فقد أقبلت النساء على الحجاب، وترك الناس ما كانوا عليه من البدع والعادات السيئة، يعني بقدر ما يتوفر الدعاة والمترجمون تحصل -والحمد لله- ثمرات ملموسة وظاهرة، وهذا فضل من الله تبارك وتعالى.